يشعر كثيرون بالارتباك عند سماع مصطلح “الصرع النفسي”، إذ يربط معظم الناس الصرع بالحالات العصبية التي تتسبب في التشنجات الجسدية، لكن الصرع النفسي حالة مختلفة تمامًا، تتجسد في اضطرابات نفسية وعاطفية قد تحاكي نوبات الصرع التقليدية دون أن يكون لها أصل عصبي واضح!
تظهر أعراض الصرع النفسي بصورة متنوعة، ما يجعل تشخيصه أمرًا معقدًا، لذا، يتطلب الأمر وعيًا دقيقًا بطبيعة الأعراض ووسائل التشخيص والعلاج.
في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل أعراض الصرع النفسي وطرق تشخيصه وكيفية علاجه بصورة نهائية.
أعراض الصرع النفسي
تختلف أعراض الصرع النفسي عن الصرع العصبي، إذ تنتج عن اضطرابات نفسية وليست عن نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ، وتتضمن هذه الأعراض:
فقدان الوعي المؤقت
يفقد المصاب وعيه لفترة قصيرة، لكن بعكس نوبات الصرع العصبي، لا يصاحب ذلك نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ، إذ يمكن أن يكون فقدان الوعي هذا استجابة للضغوط النفسية أو العواطف القوية.
التشنجات غير النمطية
تظهر الحركات التشنجية بطريقة لا تتوافق مع الأنماط المعروفة للصرع العصبي؛ إذ غالبًا ما تكون هذه التشنجات غير متناظرة أو متغيرة الشدة، ولا تتبع نمطًا معينًا، كما أنها لا تؤدي إلى إصابة جسدية خطيرة.
الغياب الذهني والتشتت
وهي من أشهر أعراض الصرع النفسي، إذ يعاني المريض لحظات شرود ذهني أو تشتت مفاجئ تجعله غير مدرك لما يجري حوله، لكن عند سؤاله بعد انتهاء النوبة، يستطيع تذكر بعض التفاصيل، على عكس حالات الصرع العصبي التي يحدث خلالها فقدان تام للذاكرة.
اضطرابات في النطق والصوت
قد يواجه المريض صعوبة في التحدث في أثناء النوبة أو يصدر أصواتًا غير واضحة، لكن هذه الأعراض تختفي بمجرد انتهاء النوبة، وتحدث غالبًا في المواقف العاطفية الشديدة.
عدم الاستجابة للمحفزات الخارجية
لا تتأثر نوبات الصرع النفسي بالمحفزات الخارجية، مثل الضوء الساطع أو الأصوات العالية، على عكس الصرع العصبي الذي قد تثيره هذه العوامل.
تؤثر هذه الأعراض في حياة المريض اليومية وعلاقاته الاجتماعية بشدة، ما يدفع البعض للتساؤل: هل يؤثر الصرع على الزواج؟ وهل من الممكن إقامة علاقات اجتماعية سليمة مع تحديات هذا المرض؟ وهي تساؤلات هامة تساعد المريض في زيادة الوعي بالمشكلة التي يمر بها.
وسائل تشخيص الصرع النفسي
نظرًا إلى غموض أعراض الصرع النفسي في كثير من الحالات، يلعب التشخيص دورًا محوريًا في رحلة مريض الصرع.
تشخيص الصرع النفسي عملية معقدة تتطلب استبعاد الأسباب العصبية والتركيز على الجوانب النفسية للمريض. تعتمد وسائل التشخيص على:
تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG)
يساعد تخطيط الدماغ الكهربائي في استبعاد الصرع العصبي، فخلال النوبة لا يُظهر التخطيط تغيرات كهربائية غير طبيعية، مما يشير إلى أن الحالة نفسية وليست عصبية.
تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي (MRI)
يُجرى التصوير بالرنين المغناطيسي لاستبعاد أي مشكلات عضوية أو إصابات دماغية قد تسبب أعراضًا مشابهة.
التقييم النفسي
يخضع المريض لتقييم نفسي شامل يشمل المقابلات السريرية والاختبارات النفسية لاكتشاف أي اضطرابات نفسية مصاحبة، مثل اضطراب القلق أو الاكتئاب.
أسباب الصرع النفسي
تختلف أعراض الصرع النفسي باختلاف الأسباب التي أدت إليه، وهو ينتج عن عدة عوامل نفسية واجتماعية تؤثر في الدماغ والجهاز العصبي، ومن أبرز أسبابه:
الصدمات النفسية
التعرض لصدمة نفسية قوية، مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض للعنف قد يؤدي إلى تطور الصرع النفسي، إذ يستخدم الدماغ النوبات كآلية للهروب من المشاعر المؤلمة.
التوتر والضغط العصبي
الأشخاص الذين يعيشون في بيئات مليئة بالتوتر والضغوط معرضون للإصابة بهذه الحالة؛ إذ يصبح الدماغ غير قادر على التعامل مع الضغوط بطرق طبيعية.
اضطرابات الشخصية
بعض أنواع اضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية الحدية، ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالصرع النفسي نتيجة لتقلبات المشاعر الحادة.
الاكتئاب والقلق
المرضى الذين يعانون اضطرابات القلق والاكتئاب يكونون أكثر عرضة لنوبات الصرع النفسي، إذ يعبر الدماغ عن التوتر العاطفي من خلال أعراض جسدية.
هل يوجد علاج نهائي للصرع النفسي؟
الصرع النفسي ليس حالة عضوية، لذلك يعتمد علاج الصرع على التعامل مع العوامل النفسية التي تؤدي إليه، لذا مبدئيًا لا يوجد علاج دوائي مباشر لهذه الحالة كما هو الحال مع الصرع العصبي، لكن هناك استراتيجيات علاجية فعالة تشمل:
العلاج النفسي
يعتبر العلاج النفسي، وخاصة العلاج السلوكي المعرفي، من أكثر الطرق فعالية في التعامل مع الصرع النفسي، فهو يساعد المريض في فهم العوامل التي تؤدي إلى النوبات وتعلم استراتيجيات للتحكم فيها.
العلاج بالأدوية
رغم أن الأدوية المضادة للصرع ليست فعالة، قد تُوصَف بعض الأدوية من أجل علاج الصرع النفسي والاضطرابات النفسية المصاحبة، مثل مضادات الاكتئاب أو القلق.
تقنيات الاسترخاء وإدارة التوتر
تشمل هذه التقنيات تمارين التنفس العميق واليوغا والتأمل، إذ تساعد في تقليل حدوث النوبات.
الدعم الاجتماعي
التواصل مع العائلة والأصدقاء أو الانضمام إلى مجموعات دعم يمكن أن يساعد المرضى في التعامل مع مشكلاتهم النفسية بطريقة أكثر إيجابية.
هل يمكن أن يتحول الصرع النفسي إلى صرع عصبي؟
لا يوجد دليل علمي يثبت أن الصرع النفسي يمكن أن يتحول إلى صرع عصبي، إذ أن الصرع العصبي ناتج عن خلل كهربائي في الدماغ، بينما الصرع النفسي يرجع إلى عوامل نفسية.
مع ذلك، قد يؤدي استمرار الصرع النفسي دون علاج إلى تفاقم المشكلات النفسية، مما يزيد من الضغط العصبي الذي قد يؤثر سلبًا في وظائف الدماغ.
لهذا السبب، من المهم التعامل مع الصرع النفسي بجدية والسعي إلى العلاج المناسب.
نصائح هامة لتجنب أعراض الصرع النفسي
يتطلب التحكم في نوبات الصرع النفسي اتباع استراتيجيات تقل من عدد مرات حدوثها، إليها. إليك بعض النصائح الفعالة:
- ممارسة النشاط البدني المنتظم، مثل المشي أو اليوغا، يساهم في تحسين الصحة النفسية وتخفيف القلق.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم؛ إذ أن قلة النوم قد تزيد من حدة الأعراض.
- الدعم الاجتماعي والتواصل مع الآخرين، ما يشمل التحدث مع الأصدقاء والعائلة أو الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي.
- الالتزام بجلسات العلاج النفسي؛ لما لها من دور في التعرف على العوامل النفسية المحفزة للنوبات والعمل على معالجتها.
خاتمة
يُعد إدراك أعراض الصرع النفسي أمرًا ضروريًا لتجنب التشخيص الخاطئ والبدء في العلاج المناسب، ورغم أن الحالة قد تبدو محيرة، فمن الممكن أن يساعد التعامل الصحيح معها المريض في استعادة السيطرة على حياته.